فصل: تفسير الآية رقم (32):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (30):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون} [30].
{يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون} أي: يا ندامة عليهم تكون يوم القيامة بسبب استهزائهم وسخريتهم في الدنيا بالناصحين، حتى أفضى بهم الحال إلى قتلهم كما فعل أصحاب القرية، أو المراد شدة خسرانهم حتى استحقوا أن يتحسر عليهم أهل الثقلين، أو التحسر منه تعالى مجازاً، وتقريره أن التحسر ما يلحق المتحسر من الندم حتى يبقى حسيراً، وهو لا يليق به تعالى، فيجعل استعارة، بأن شبه حال العباد بحال من يتحسر عليه الله فرضاً، فيقول، يا حسرة على عبادي، قيل: وهو نظير قوله تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات: 12]. على القراءة بضم التاء، فالنداء للحسرة تعجب منه. والمقصود تعظيم جنايتهم، أي: عدّها أمراً عظيماً بتعجب منه. أفاده الشهاب.

.تفسير الآية رقم (31):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [31].
{أَلَمْ يَرَوْا} أي: يخبروا: {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ} أي: من الأمم الخالية: {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ} أي: كيف لم يكن لهم إلى هذه الدنيا كرة ولا رجعة.

.تفسير الآية رقم (32):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [32].
{وَإِن كُلٌّ} أي: من هؤلاء المتفرقين: {لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} أي: إلا جميعهم محضرون للحساب والجزاء، وإنما أخبر عن كلٍّ، بجميع ومعناها واحد؛ لأن كلاً، تفيد الإحاطة حتى لا ينفلت عنهم أحد. وجميع، تفيد الاجتماع، وهو فعيل بمعنى مفعول، وبينهما فرق، ومن ثم وقع أجمع في التوكيد تابعاً لكل؛ لأنه أخص منه، وأزيد معنى.

.تفسير الآيات (33- 35):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} [33- 35].
{وَآيَةٌ لَّهُمُ} أي: عبرة لأهل مكة عظيمة: {الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا} أي: بالنبات لتدل على إحياء الموتى: {وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} أي: وليأكلوا مما عملته أيديهم، وهو ما يتخذ منه كالعصير والدبس ونحوهما، على ما استظهره القاضي. وقال الزمخشري: أي: عملته بالغرس، والسقي، والآبار، قيل وهذا التفسير خلاف الظاهر، أي: لاحتياجه إلى تجوز، إلا أن فيه تذكيراً بلذة ثمرة العمل، وسرور النفس بعده، وفي الحديث «أفضل الكسب بيع مبرور، وعمل الرجل بيده» رواه الإمام أحمد عن أبي بردة. وجوّز أن تكون: ما، نافية، والمعنى: أن الثمر بخلق الله لا بفعلهم: {أَفَلَا يَشْكُرُونَ} أي: خالق هذه النعم الجسام بعبادته وحده، وهو إنكار لعدم قيامهم بواجب الشكر.

.تفسير الآية رقم (36):

القول في تأويل قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} [36].
{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ} أي: الأصناف كلها: {كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ} أي: مما ذكر وغيره: {وَمِنْ أَنفُسِهِمْ} يعني الذكر والأنثى: {وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} أي: من الأصناف والأنواع الموجودة في البر والبحر. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (37):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} [37].
{وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} بيان لقدرته تعالى في الزمان، إثر ما بيّنها في المكان، أي: نزيله ونكشفه عن مكانه. استعير لإزالته الضوء، السلخ الذي هو كشط الجلد وإزالته عن الحيوان المسلوخ. وفيه إشارة إلى أن النهار طارئ على الليل، كما أن المسلوخ منه قبل المسلوخ، الذي هو كالغطاء الطارئ على المغطى. قال الشهاب: لأن الليل سابق عرفاً وشرعاً ومعنى: {مُّظْلِمُونَ} داخلون في الظلام، يقال أظلمنا، كما يقال: أعتمنا وأدجينا.

.تفسير الآية رقم (38):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [38].
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} أي: لحدٍّ لها مؤقت مقدر ينتهي إليه دورها اليومي أو السنوي، شبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره. فالمستقر اسم مكان تقطعه في حركتها الدائمة ثم تعود. ووجه الشبه الانتهاء إلى محل معين، واللام تعليلية، أو بمعنى إلى. وقيل مستقرها: منقطع جريها عند خراب العالم. ومستقر عليه اسم زمان: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} أي: ذلك الجري المتضمن للحكم، والمصالح، والمنافع، والمدهش نظام سيره وإحكامه بلا اختلال، تقدير الغالب بقدرته على كل مقدور، المحيط علماً بكل معلوم.

.تفسير الآية رقم (39):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [39].
{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} أي: صيرنا له منازل ينزل كل ليلة في واحد منها: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} أي: حتى إذا كان في آخر منازله، دق واستقوس وصار كالعذق المقوس اليابس، إذا حال عليه الحول. فالعرجون هو الشمروخ، وهو العنقود الذي عليه الرطب، ويسمى العذق، بكسر العين. والقديم: العتيق، وإذا قدم دق وانحنى واصفرّ. فشبه به من ثلاثة أوجه.

.تفسير الآية رقم (40):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [40].
{لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ} أي: تجتمع معه في وقت واحد، وتداخله في سلطانه فتطمس نوره: {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} أي: يسبقه بأن يتقدم على وقته فيدخل قبل مضيه. أو المراد بالليل والنهار آيتاهما، أي: ولا القمر سابق الشمس فيكون عكساً للأول، أي: ولا القمر ينبغي له أن يدرك الشمس. والمعنى على هذا، أن كل واحد منهما لا يدخل على الآخر في سلطانه، فيطمس نوره، بل هما متعاقبان بمقتضى تدبيره تعالى، وعليه فسر إيثار: سابق على مدرك، كما قبله، هو أن السبق مناسب لسرعة سير القمر؛ إذ السبق يشعر بالسرعة، والإدراك بالبطء، وكذلك الشمس بطيئة السير تقطع فلكها في سنة. والقمر يقطعه في شهر. فكانت الشمس لبطئها جديرة بأن توصف بالإدراك، والقمر لسرعته جديراً بأن يوصف بالسبق.
لطيفة:
قال الناصر في الانتصاف: يؤخذ من هذه الآية أن النهار، تابع لليل، وهو المذهب المعروف للفقهاء، وبيانه من الآية أنه جعل الشمس التي هي آية النهار غير مدركة للقمر الذي هو آية الليل.
وإنما نفي الإدراك لأنه هو الذي يمكن أن يقع، وذلك يستدعي تقدم القمر وتبعية الشمس، فإنه لا يقال: أدرك السابق اللاحق، ولكن: أدرك اللاحق السابق، وبحسب الإمكان توقيع النفي، فالليل إذاً متبوع والنهار تابع. فإن قيل: هل يلزم على هذا أن يكون الليل سابق النهار، وقد صرحت الآية بأنه ليس سابقاً؟
فالجواب أن هذا مشترك الإلزام. وبيانه: أن الأقسام المحتملة ثلاثة: إما تبعية النهار لليل وهو مذهب الفقهاء، أو عكسه وهو المنقول عن طائفة من النحاة، أو اجتماعهما. فهذا القسم الثالث منفي بالاتفاق. فلم يبق إلا تبعية النهار لليل وعكسه. وهذا السؤال وارد عليهما جميعاً؛ لأن من قال إن النهار سابق الليل لزمه أن يكون مقتضى البلاغة أن يقال: ولا الليل يدرك النهار، فإن المتأخر إذا نفي إدراكه كان أبلغ من سابقه. مع أنه يتناءى عن مقتضى قوله: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ} تنائيّاً لا يجمع شمل المعنى باللفظ، فإن الله تعالى نفى أن تكون مدركة، فضلاً عن أن تكون سابقة.
فإذا أثبت ذلك، فالجواب المحقق عنه، أن المنفي السبقية الموجبة لتراخي النهار عن الليل، وتخلل زمن آخر بينهما، وحينئذ يثبت التعاقب، وهو مراد الآية. وأما سبق أول المتعاقبين للآخر منهما، فإنه غير معتبر. ألا ترى إلى جواب موسى بقوله: {هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي} [طه: 84]، فقد قربهم منه عذراً عن قوله تعالى:: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ} [طه: 83]، فكأنه سهل أمر هذه العجلة بكونهم على أثره. فكيف لو كان متقدماً وهم في عقبه لا يتخلل بينهم وبينه مسافة؟ فذاك لو اتفق، لكان سياق الآية يوجب أنه لا يعد عجلة ولا سبقاً. فحينئذ يكون القول بسبقية النهار لليل، مخالفاً صدر الآية على وجه لا يقبل التأويل. فإن بين عدم الإدراك الدال على التأخير والتبعية، وبين السبق بوناً بعيداً، ومخالفاً أيضاً لبقية الآية، فإنه لو كان الليل تابعاً ومتأخراً، لكان أحرى أن يوصف بعدم الإدراك، ولا يبلغ به عدم السبق، ويكون القول بتقديم الليل على النهار مطابقاً لصدر الآية صريحاً، ولعجزها بوجه من التأويل مناسب لنظم القرآن، وثبوت ضده أقرب إلى الحق من حبل وريده، والله الموفق للصواب من القول وتسديده. انتهى.
{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} أي: كل مما ذكر يجرون في مدار عظيم كالسابح في الماء. وتقدم لنا في سورة الأنبياء، ما قاله بعض علماء الفلك في مثل هذه الآية. فراجعه.

.تفسير الآية رقم (41):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [41].
{وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} أي: حملنا أولادهم الذين يرسلونهم في تجارتهم. قال الشهاب: ولا يخفى مناسبته لقوله قبله: {فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وذكر المشحون، أقوى في الامتنان بسلامتهم فيه، أو لأنه أبعد عن الخطر، وقيل المراد فلك نوح عليه السلام. فهو مفرد، وتعريفه للعهد، والمعنى حمل آبائهم الأقدمين الذين بهم حفظ بقاء النوع لما عمّ الطوفان، ونجوا مع نوح في السفينة، وإنما كان آية، لأن بقاء نسلهم ونجاتهم بسفينة واحدة، صنع عجيب ومقدور كبير. وآثر البعض الوجه الأول؛ لأن الثاني محتاج للتأويل. وأرى جدارة الثاني بالإيثار؛ لقاعدة الحمل على الأشباه والنظائر، ما وجد له سبيل؛ لأنه أقرب وأسدّ، وقد جاء نظيره آية: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 11- 12]. وإن ورد في نظير الأول الآية: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ} [الرحمن: 24]، وأشباهها، إلا أن لفظ الحمل اتحد في الآيتين، فقارب ما بينهما.

.تفسير الآية رقم (42):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} [42].
{وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ} أي: مثل الفلك: {مَا يَرْكَبُونَ} أي: من الإبل فإنها سفائن البر لكثرة ما تحمل، حتى شاع إطلاق السفينة عليها، كما قيل: سفائن برّ والسراب بحارها. أو ما يركبون، أي: من السفن والزوارق على الوجه الثاني، وهو أن يراد بالفلك سفينة نوح.

.تفسير الآية رقم (43):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ} [43].
{وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ} أي: لا مغيث لهم، أو لا مستغيث منهم، أو لا استغاثة، وذلك لأن الصريخ يكون المغيث والمستغيث وهو الصارخ. ومصدراً للثلاثي كالصراخ، يتجوز به عن الإغاثة؛ لأن المغيث ينادي من يستغيث به ويصرخ له، ويقول: جاءك العون والنصر. أنشد المبرد في أول الكامل:
كُنَّا إِذَاْ مَاْ أَتَاْنَاْ صَاْرِخٌ فَزِعٌ ** كَاْنَ الصُّرَاْخُ لَهُ قَرْعَ الظَّنَاْبِيْبِ

أي إذا أتانا مستغيث، كانت إغاثته الجد في نصرته.
{وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ} أي: ينجون من الموت به.

.تفسير الآية رقم (44):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ} [44].
{إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ} أي: لكن رحمناهم ومتعناهم إلى زمن قدر لهم، يموتون فيه بعد النجاة من موت الغرق، ومن هنا أخذ أبو الطيب قوله:
وِإِنْ أَسْلَمْ فَمَاْ أَبْقَىْ وَلَكِنْ ** سَلِمْتُ مِنَ الْحَمَاْمِ إِلَىْ الْحِمَاْمِ

.تفسير الآية رقم (45):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [45].
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} أي: من الوقائع الخالية في الأمم المكذبة للرسل {وَمَا خَلْفَكُمْ} أي: من العذاب المعدّ في الآخرة، أو عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، أو عكسه، أو ما تقدم من ذنوبكم وما تأخر: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أي: باتقائكم وشكركم، وجواب إذا، محذوف دل عليه قوله:

.تفسير الآية رقم (46):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} [46].
{وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ} أي: الدالة على صدق الرسل: {إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} بالتكذيب والصد عن الإيمان بها.

.تفسير الآية رقم (47):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [47].
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ} أي: تصدقوا على الفقراء، من مال الله الذي آتاكم: {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} أي: حيث أمرتمونا بما يخالف مشيئة الله. وقولهم هذا، إما تهكم أو عن اعتقاد. وجوّز أن يكون: {إِنْ أَنتُمْ} جواباً من الله لهم، أو حكاية لجواب المؤمنين. وفي هذه الآية أبلغ زجر عن اقتصاص ما يحكى عن البخلاء، في اعتذارهم بمثل ما ضلل به المشركون ومجازاتهم فيه، فإن ذلك من اللؤم، وشح النفس، وخبث الطبع، وإن كان يورده بعضهم للفكاهة أو الإغراب، كما فعل الجاحظ سامحه الله في كتاب البخلاء.

.تفسير الآية رقم (48):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [48].
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} يعنون وعد البعث.

.تفسير الآية رقم (49):

القول في تأويل قوله تعالى: {مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} [49].
{مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} أي: يتخاصمون في متاجرهم ومعاملاتهم، أي: أنها تبغتهم وهم في أمنهم وغفلتهم عنها. ويخصمون، بفتح الياء وكسر الخاء لالتقاء الساكنين. والصادر على الأصل، وأصله: يختصمون سكّنت التاء وأدغمت، ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين.